مجتمع

يخرج منكم مدمروكم: ميرون القاضي اليهودي الذي يلاحق نتنياهو

ثيودور ميرون، قاضٍ يهودي بات حديث الساعة في إسرائيل وربما العالم، بعدما ساهم في جهود ملاحقة نتنياهو وبعض قادة إسرائيل في محكمة العدل الدولية. فمن هو؟

future في المقدمة: القاضي اليهودي ثيودور ميرون، وفي الخلفية: رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو

ثيودور ميرون، قاضٍ يهودي بات حديث الساعة في إسرائيل، وربما العالم كله، بعدما ساهم في جهود ملاحقة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وغيره من قادة إسرائيل في محكمة العدل الدولية. فمن هو هذا الرجل؟

يريد هلاك إسرائيل

تصدر موقع «חדרי חרדיםحدراي حريديم»[1] تقرير بعنوان: المستشار السابق لوزارة الخارجية الإسرائيلية لا يعيش في إسرائيل. ولم يكن المثير في هذا الخبر العنوان فقط، بل ما يحتويه الخبر من إلقاء تُهم أكدها كاتب التقرير من خلال فقرات العهد القديم، فافتتح الصحفي يسرائيل ليفيكوفيتش تقريراً له عن القاضي الدولي ثيودور ميرون بعد إصداره مذكرة اعتقال لنتنياهو وجالانت، بفقرة من سفر إشعياء (49- 17)[2] «מְהָרְסַיִךְ וּמַחֲרִבַיִךְ מִמֵּךְ יֵצֵאוּ" - يهلككم بنوكم، ويخرج منكم مدمروكم».

أحد التفسيرات التي وردت لتلك الفقرة كتبها الربي يوسف كرمل على موقع «ישיבה - يشيفها»، نقلاً عن تفسير بن عزرا لتلك الفقرة فذكر: «هو ذا أبناؤكم قد جاءوا وتركوكم جميعاً»، أي اليهود الذين دمروا أرض إسرائيل، وأوضح راي كارا، تلميذ الربي راشي[3] وصديقه: «أولئك الذين يسارعون إلى الخطيئة»، فوفقاً لتفسيره؛ تعني الخطائين من اليهود أنفسهم الذين يسعون لدمار إسرائيل.

فذِكر تلك الفقرة في تقرير كهذا يؤكد أن المستشار السابق ثيودور ميرون يريد أن يقضي على دولة الكيان المحتل، من وجهة نظر الكاتب.

ناجٍ من محرقة النازية

ولد ميرون عام 1930م في أسرة يهودية بولندية في مقاطعة كاليش من الطبقة المتوسطة، انتهت طفولته السعيدة القصيرة في سن التاسعة مع الاحتلال الألماني النازي لبولندا، وبطريقة ما نجا من الهولوكوست، وعندما بلغ من العمر الخامسة عشرة تمكن من الهجرة إلى فلسطين.

ويسرد ميرون أنه خلال ستة أعوام من المعاناة والتعليم الضائع، خلق ذلك بداخله «جوعاً للتعلم والعلم»، فأكمل دراسته الثانوية، وبعد ذلك حصل على دكتوراه من جامعة هارفارد، ومن بعدها الدكتوراه من كامبريدج، وفي عام 1957م، ومع عدم وجود منصب أكاديمي في الأفق، وافق على عرض وزارة الخارجية الإسرائيلية مباشرة بعد حرب الأيام الستة 1967م (النكسة)، وعُيِّن مستشاراً قانونياً لها، وهو أعلى منصب قانوني في دولة الاحتلال، ووقتها كان عمره 37 عاماً فقط، كما أوضح الصحفي جرشوم جورينبرج على موقع זמן ישראל.

نشرت جريدة על המשמר يوم تعيينه أن كتابات ميرون القانونية ساعدت في بناء الأسس القانونية للمحاكم الجنائية الدولية، وذلك بداية بالمحاكم التي أنشأتها الأمم المتحدة في عام 1993م، تلك المرتبطة بجرائم الحروب، والتي أعقبت تفكك يوغوسلافيا، فعُين عام 2001 قاضياً في المحكمة الدولية المرتبطة بالجرائم التي حدثت في يوغوسلافيا.

صرح ميرون، خلال مقابلة معه، بأن موقفه الوجداني وقت ترأسه لتلك المحكمة «مزعج، مفجع»، فقد كان طفلاً في معسكرات النازية، والآن يرأس محكمة تحكم في جرائم الحرب، وأيضاً الإبادة الجماعية، وافتخر بشكل خاص بالحكم الذي عَرَّف بالاغتصاب والاستعباد الجنسي، الذي اعتُبر بعد ذلك من الجرائم ضد الإنسانية.

والجدير بالذكر أنه في عام 2020 منحه وزير الخارجية البريطاني دومينيك راب وسام CMG (وسام القديس ميخائيل والقديس جرجس).

يعمل ميرون الآن محاضراً في القانون بجامعة أكسفورد، وهو بعمر 94 عاماً، ويعمل أيضاً مستشاراً للمُدعي العام لرئيس المحكمة الجنائية الدولية كريم خان في القضية المرفوعة ضد قادة إسرائيل وحماس.

الرجل الذي حاول إنقاذ إسرائيل من نفسها

عنون الصحفي الأمريكي الإسرائيلي جرشوم جورينبرج مقالته على موقع «זמן ישראל - زمن يسرائيل» بـ: الرجل الذي حاول إنقاذ إسرائيل من نفسها، وسرد في هذا المقال أهم مواقف ميرون القضائية، وصولاً لإصدار مذكرة اعتقال نتنياهو وجالانت، فسرد أن كريم خان طلب الحصول على أوامر اعتقال وليس إدانة فقط، في حين أكد ميرون وبعض الخبراء الآخرين أن الأدلة تؤكد التهمة الرئيسية الموجهة ضد نتنياهو وجالانت بأنهما متورطان في خطة مشتركة لاستخدام التجويع وأعمال العنف الأخرى ضد السكان المدنيين في غزة للقضاء على حماس.

وعلى صعيد آخر، فإن تأخير المساعدات الإنسانية أيضاً هو وسيلة متعمدة في هذه الحرب، وهناك العديد من الأدلة التي تؤكد تلك التهم، منها: مقابلات مع الناجين، ولقطات فيديو، وصور أقمار صناعية، وأردف كريم خان أنه لا يوجد شخص على وجه الأرض أكثر تأهلاً من ميرون للحكم على ما إذا كان لديه أساس متين لهذه التهمة أم لا، وفي النهاية من السخف الإشارة إلى أن ميرون يضطهد إسرائيل، أو أنه معادٍ للسامية.

في أعقاب ذلك رفض ميرون ادعاءات الخبراء الإسرائيليين بأن المحكمة الجنائية الدولية غير مُخولة بالنظر في تلك القضية، وكتب بأن فلسطين، وفي ذلك غزة، هي دولة وفقاً لدستور المحكمة الجنائية الدولية.

يُكمل الصحفى جرشوم في مقالته بأن إسرائيل لم تكن لتصل إلى هذا الحد لو أن حكومتها أخذت على محمل الجد كلمات ثيودور ميرون، في سبتمبر عام 1967م، عندما كتب المذكرة التي يُوصي بها رئيس الوزراء حينها بعدم الاستيطان في الأراضي المحتلة؛ لأن ذلك يتعارض مع المعاهدات الدولية، ووجد الصحفي تلك المذكرة منذ 20 عاماً، وهو يعد بحثاً عن تاريخ المستوطنات في الأراضي المحتلة، وظهر فيها توقيع ميرون أسفل صفحة، وكلمة سري للغاية أعلى الصحفة، حيث أُرشفت من مكتب رئيس الوزراء الراحل ليفي إشكول.

ففي ذلك الوقت رغب إشكول في إعادة إنشاء كفار عيتصون، وهو الكيبوتس الذي سقط في أيدي القوات العربية عام 1948م، وتقع المستوطنة بين الخليل وبيت لحم في الضفة الغربية، ومنذ ذلك الوقت أصبحت خاضعة لسيطرة الأردن، وأبدى إشكول رغبة قوية في بناء مستوطنات في الجولان، وهي أرض سوريا المحتلة وقتها، إلا أن وزير العدل حذر في اجتماع مجلس الوزراء من أن استيطان المدنيين في الأراضي التي تسيطر الحكومة عليها[4]، يشكل انتهاكاً للقانون الدولي، وطلب رئيس مكتب إشكول من المستشار القانوني لوزارة الخارجية ميرون إبداء رأيه.

فجاء رد ميرون واضحاً لا لبس فيه: «الاستيطان المدني في الأراضي المحتلة يتناقض مع الأحكام الصريحة لاتفاقية جنيف رقم 4، وأوضح أن اتفاقية عام 1949م تهتم بحماية المدنيين في وقت الحرب، وتمنع الاحتلال من نقل جزء من سكانه إلى الأراضي المحتلة، وكتب أن هذا القرار يهدف إلى منع استيطان أفراد الدولة المحتلة الأراضي التي تُسيطر عليها».

ولكن بعد تسعة أيام استقرت مجموعة من الشباب الإسرائيليين في أرض كفار عيتصون بدعم من الحكومة، وفي البداية أُعلن أن المستوطنة ما هي إلا موقع عسكري[5]، ولكن سرعان ما اتضحت الخدعة وكُشفت طبيعة المستوطنة المدنية.

بطبيعة الحال سارعت الحكومة إلى طلب مساعدة بعض الحقوقيين الإسرائيليين أمثال يهودا بلوم، الذي زعم أن اتفاقية جنيف الرابعة لا تنطبق على الضفة الغربية؛ لأن السيادة الأردنية لم تحظَ بأي اعتراف دولي تقريباً، وبالتالي وفقاً لتلك الحجة فهي ليست أرضاً محتلة.

كتب ميرون عام 2017م بعد مرور 50 عاماً على مذكرته الأصلية الأولى: «لم يكن المقصود من المعاهدات حماية الدول والطلب بالسيادة، بل حماية الأشخاص الذين يعيشون تحت الاحتلال من تصرفات قوة الاحتلال»، فالمستوطنات هي العائق الوحيد أمام التوصل إلى اتفاق سلام، علاوة على ذلك فإن بعض المستوطنات تجمعات أيديولوجية، وتشكل مرتعاً لليمين الإسرائيلي المتطرف الذي يرفض تماماً التنازل عن الأرض.

ويختم الصحفي مقالته: «في عام 1967، في بداية الاحتلال، تجاهلت الحكومة الإسرائيلية تحذيرات مستشار شاب متخصص في القانون الدولي، واليوم يتعين على إسرائيل أن تستجيب لتحذير جديد فيما يتعلق بقوانين الحرب من نفس الشخص».

# بنيامين نتنياهو # إسرائيل

[1] الترجمة: حُجر الحريديم. الحريديم هم اليهود المتشددون.
[2] أحد أسفار العهد القديم الشهير بنبوءاته الأخروية.
[3] هو أحد أشهر مفسري العهد القديم في العصر الوسيط.
[4] وهو المصطلح الذي تطلقه الحكومة الإسرائيلية على الأراضي المحتلة.
[5] وهو أمر مصرح به دولياً.
«معركة خلدة»: عن الهزائم التي تلد انتصارات
تل أبيب: قصة الحي الشعبي الذي أصبح قلب إسرائيل
الشابات: كيف نفهم حياة الحريديم في الأراضي المحتلة؟

مجتمع